يقول تعالى :"ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".
إن هذه الآية الكريمة تدل على أن الحركة الإصلاحية التي سيقوم بها الإمام المهدي عليه السلام هي حركة عالمية تشمل الكرة الأرضية بقرينة قوله "في الأرض" وكذلك قوله تعالى :"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " وكذلك الحديث المتواتر:" المهدي من ولدي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا" ...
فالفكرة واسعة وكبيرة الى حد أن الكلام يشمل كل الأرض فلن تبقى الأرض تحت سلطة الجبارين والظالمين بل أن دولة الحق ستتحقق وتحكم الأرض ، وان الدين الإسلامي المقدس سيصبح لكل البشر وتزول جميع الأديان.
والإمامة منصب إلهي يجعله الله تعالى لخاصة أوليائه وان الله تعالى جعل للإمام مهمة الولاية التكوينية ومهمة الولاية التشريعية. والإمام المنتظر باعتباره استمرارا للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله لا تكون مهمته في التبشير بمفاهيم جديدة لم تكن معروفة من قبل... حتى يتوقف أداؤها على معايشة الناس ..وإنما تتلخص مهمته الكبرى في صيانة المفاهيم التي نزل بها القرآن الكريم وبشر بها الرسول صلى الله عليه وآله , وأداء مهمة صيانة الشريعة لا يتوقف على معايشة الناس ، وذلك لأنه فور ما يجد أيا من المفاهيم الإسلامية معرضة للتشويه يستطيع المبادرة الى إيضاحها وتأصيلها بواسطة بعض من يمكنهم الاتصال به.
من المعلوم أن نهضة الإمام المهدي عليه السلام هي استكمال للشوط الرسالي الذي بدأه الإمام الحسين عليه السلام المتمثل بإصلاح الواقع الإسلامي المنحرف والفاسد , وان أي قائد لديه حركة إصلاحية لابد أن يمتلك منهجا ودستورا للتغيير والإمام المهدي عليه السلام باعتباره القائد المذخور لخلاص البشرية على الصعيد العالمي لابد أن يكون لديه المنهج الأمثل والشامل الذي لا ريب فيه لتغطية جميع أرجاء الأرض ، ويمكن إجمال ذلك في عدة نقاط:
أولا: إن الإمام المهدي عليه السلام يطبق الإسلام باعتباره النظام الذي يتكفل العدل الكامل ، لأن الإسلام يبقى الأطروحة العادلة الكاملة الى اليوم الموعود , لذلك يقوم الإمام عليه الإسلام بتوحيد المعتقد الديني في العالم طبقا لقوله تعالى :" ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " على أساس أن هذا الدين هو الذي ينظم العالم ويحل مشاكله ويحقق له العدل الكامل ، ويأتي هذا التوحيد تحت ظروف معينة يهيؤها القائد المهدي عليه السلام ، لذلك أن الإمام عليه السلام سينهي فكرة فصل الدين عن الدولة.
ثانيا : إنهاء فكرة حق تقرير المصير لأن مصير البشرية قد قرره التخطيط الإلهي العام ولن يكون منبعثا من البشر أو ناتجا عن آراء البشر الناقصة فان استيلاء الإمام عليه السلام على العالم ليس مجرد غزو عسكري بل هو دعوة عقائدية وأطروحة عادلة يريد نشرها وتطبيقها على البشرية أجمعين وتربية البشر على أساسها تربية صالحة لتتحقق العبادة المحضة لله عز وجل على وجه الأرض كما هو الغرض الأساسي من الخلق ومن اليوم الموعود.
ثالثا : تصفية المجتمع المسلم من المنافقين : إن الإمام عليه السلام سيقتل عدد كبيرا من الأفراد ممن فشل في التمحيص الموجود في التخطيط الإلهي السابق وأصبح يشكل خطرا على العدل الكامل في المجتمع الجديد .
كما تذكر الروايات أن بطش الإمام عليه السلام يشمل المنافقين المتسترين الذين قد يكون بعضهم من حاشيته فيعرفهم بالنور الذي جعله الله تعالى في قلبه ، وان الأمر يصل أحيانا الى إبادة فئة بكاملها ! فعن الإمام الباقر عليه السلام قال :" إذا قام القائم سار الى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر آلاف أنفس يدعون البترية عليهم السلاح فيقولون له : ارجع من حيث جئت ..فلا حاجة لنا في بني فاطمة ..فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل كل منافق مرتاب ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وعلا" .
وبتصفية الإمام المهدي عليه السلام الوضع الداخلي في العراق وتحريره والقضاء على القوى المضادة الكثيرة واتخاذه قاعدة وعاصمة دولته العالمية المباركة يكون بذلك قد تفرغ لأعدائه من اليهود والنصارى خارج الأراضي الإسلامية .
ولا يعني ذلك أن العراق وحده سيكون مركز إشعاع حضاري وفكري لدولة الإمام عليه السلام وإنما هناك أكثر من مركز إشعاع فكري في العالم آنذاك , حيث جاء في الرواية انه عليه السلام سيبني في مصر منبرا.
ويظهر من الروايات أن الحركات المضادة للإمام عليه السلام تكون كثيرة وانه عليه السلام يستخدم الشدة والقتل لمن يقف في وجهه تنفيذا للعهد المعهود إليه من جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فعن الإمام الباقر عليه السلام قال :- " إن رسول الله سار في أمته باللين , كان يتألف الناس والقائم يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا .. ويل لمن ناواه !
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : " وانّه أول قائم يقوم منّا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تتحملونه فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقتلكم وهذه آخر خارجة تكون" .
وغير ذلك من عمليات التصفية الكبيرة التي تثير موجة من الرعب والتشكيك داخل العراق وفي العالم حتى ورد أن بعض الناس يقولون عندما يرون كثرة تقتيله وسفكه دماء أعدائه : " ليس هذا من ولد فاطمة ولو كان من ولد فاطمة لرحم " بل إن بعض أصحابه الخاصين لا يتحمل بعض أحكامه ، وقد ورد أن بعضهم يدخلهم الشك والريب من كثرة ما يرون من قتله لمناوئيه فيعترض أحدهم على الإمام عليه السلام قائلا :- .. انك لتجفل الناس إجفال النعم فبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أم بماذا ؟ فيخرج الإمام عليه السلام عهدا من رسول الله صلى الله عليه وآله والكتاب المعهود إليه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإملائه وخط علي عليه السلام وفيه كما ورد " اقتل ثم اقتل ولا تستتيبن أحدا ".
وعن الإمام الصادق عليه السلام :أن القائم يلقى في حربه ما لم يلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله" لأن رسول الله صلى الله عليه وآله
أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة وان القائم
عليه السلام يخرجون عليه فيتأولون عليه ويقاتلون عليه "[center]